يقدّم خبراء مركز الجيو-اقتصاد في أتلانتيك كآونسل، ومن بينهم كريستي جولدسميث روميو وإيرل أنتوني واين ومارتن موليزن، قراءة رقمية لعام 2025 تكشف كيف أعادت السياسات التجارية، والدين العام، والتحولات الجيوسياسية، رسم ملامح الاقتصاد العالمي، في عام شعرت فيه الاقتصادات الهشّة، مثل مصر، بثقل الصدمات الخارجية وتراجع هوامش الحركة المالية.

 

في هذا السياق، يذكر التقرير الصادر عن أتلانتيك كآونسل أن عام 2025 شهد أعلى معدلات تعريفات جمركية أمريكية منذ قرن تقريبًا، وقفزات في استخدام العملات المشفّرة، وابتكارات جديدة للتحايل على العقوبات، إلى جانب ارتفاع غير مسبوق في الدين العام عالميًا. هذه التحولات لم تبقَ حبيسة الاقتصادات الكبرى، بل انعكست مباشرة على دول تعاني أصلًا من ضغوط تضخمية ونقص العملة الصعبة، حيث زادت كلفة الواردات واشتد الضغط على الميزانيات العامة، كما هو الحال في الاقتصاد المصري.


تعريفات أمريكية تاريخية وتكلفة عالمية

 

بلغ متوسط معدل التعريفة الجمركية الفعّالة في الولايات المتحدة 16.8%، وهو أعلى مستوى يواجهه المستهلك الأمريكي منذ عام 1935. تنقل الشركات كلفة هذه التعريفات إلى المستهلكين، فتتآكل القدرة الشرائية للأسر. توصل مختبر الميزانية في جامعة ييل إلى أن هذا المعدل يعني خسارة تقارب 1700 دولار سنويًا للأسرة الأمريكية المتوسطة.

 

تتجاوز آثار هذه السياسات الحدود الأمريكية. حين ترتفع كلفة التجارة العالمية، تتأثر الدول المستوردة للغذاء والطاقة والسلع الوسيطة. في حالة مصر، يفاقم ذلك ضغوط الأسعار، ويرفع فاتورة الواردات، ويزيد الحاجة إلى العملة الصعبة، ما ينعكس مباشرة على مستويات المعيشة وعلى قدرة الدولة على تمويل الدعم والخدمات.

 

تحولات التجارة بين الولايات المتحدة وشركائها

 

سجّل إجمالي التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك 840 مليار دولار في 2024، ومع حلول 2025 أصبحت المكسيك أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. ارتفعت الصادرات والواردات بين البلدين، واستفادت المكسيك من إعادة توجيه سلاسل التوريد بعيدًا عن آسيا.

 

تبرز هذه الأرقام كيف تعيد الدول الكبرى ترتيب شراكاتها بما يخدم أمنها الاقتصادي. لكن هذا التحول يخلق منافسة أشد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويضع دولًا نامية، ومنها مصر، أمام تحدي جذب رؤوس الأموال في بيئة عالمية أكثر حمائية، حيث تفضّل الشركات الأسواق القريبة والمستقرة سياسيًا.

 

صفقات ورسائل سياسية في اقتصاد مسيّس
 

لم يفصل عام 2025 بين الاقتصاد والسياسة. يوضح التقرير أن سبعة أيام فقط فصلت بين إعلان “يوم التحرير” الأمريكي وقرار تعليق التعريفات “التبادلية”، في مشهد عكس نهجًا تفاوضيًا عالي البراجماتية. هدّد الإعلان في 2 أبريل الأسواق العالمية، قبل أن يعلّق البيت الأبيض الإجراءات في 9 أبريل، ثم يدفع باتجاه تنازلات ثنائية تخدم أولويات السياسة الخارجية والداخلية.

 

أنهت الولايات المتحدة اتفاقات تجارية واستثمارية مع خمسة من أصل ستة شركاء في مجموعة السبع، باستثناء كندا. شملت اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي واليابان التزامًا موازيًا بشراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال حتى عام 2030، بما يضمن اصطفافًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا في مواجهة روسيا والصين. في المقابل، لم تصل واشنطن إلى اتفاقات ملزمة مع كندا أو المكسيك خلال 2025، مع اقتراب مراجعة اتفاقية USMCA في 2026.

 

تعكس هذه الصفقات عالمًا تتداخل فيه الطاقة بالتجارة، وتُستخدم فيه الاتفاقات الاقتصادية كأدوات نفوذ. بالنسبة لاقتصادات تعاني من شح الطاقة والعملة، مثل مصر، تعني هذه البيئة ارتفاع كلفة التمويل والطاقة، وزيادة الاعتماد على ترتيبات خارجية معقّدة، في وقت تتقلص فيه الهوامش الاجتماعية.

 

في المحصلة، ترسم أرقام 2025 اقتصادًا عالميًا أكثر انقسامًا وحمائية. تستفيد قوى بعينها من إعادة التموضع، بينما تدفع الاقتصادات الهشّة ثمنًا مضاعفًا. بين تعريفات قياسية، وصفقات مسيّسة، ودين عام متصاعد، يدخل العالم مرحلة تتطلب من الدول النامية إدارة أدق لمواردها، وإصلاحات أعمق، وقدرة أعلى على الصمود في وجه عواصف لا تصنعها وحدها، لكنها تتحمل كلفتها يومًا بعد يوم.


https://www.atlanticcouncil.org/dispatches/by-the-numbers-the-global-economy-in-2025/